تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أشرف عثمان > بيوت الشباب والمدرسة.. فلسفة عالمية لبناء الإنسان

بيوت الشباب والمدرسة.. فلسفة عالمية لبناء الإنسان

حدثني أستاذي اللواء أركان حرب مهندس أحمد رفعت مكاوي، الرئيس المنتخب الثامن لجمعية بيوت الشباب المصرية، عن قصة فريدة تجسد جوهر هذه الحركة العالمية العريقة، وكيف نشأت فكرتها في أحضان التعليم والتربية، على يد المعلم الألماني ريتشارد شيرمان، مؤسس حركة بيوت الشباب العالمية، الذي أطلق عليه تلاميذه لقب «مدرس المشي المجنون» لشغفه الدائم بالرحلات والتجوال مع طلابه.
فقد أنشأ شيرمان أول بيت للشباب في العالم داخل مدرسة ابتدائية، بعد أن اصطحب طلابه في رحلة تربوية ميدانية أطلق عليها فيما بعد «المدرسة المتجولة». ومن هنا نشأت الفكرة التي غيرت مفهوم التعليم غير الرسمي في العالم، لتربط بين المدرسة والرحلة وبيت الشباب في منظومة واحدة تهدف إلى بناء الإنسان وتنمية مهاراته الحياتية والاجتماعية.

ولذلك لم يكن غريبًا أن تولي الدول الأوروبية اهتمامًا كبيرًا بربط التعليم بحركة بيوت الشباب، حتى أصبحت المجموعات المدرسية من أكبر الفئات المستفيدة من خدمات هذه البيوت.

فقد أدركت تلك الدول أن الطفل يتعلم بالمشاهدة والتجربة أكثر مما يتعلم بالكتب، وأن الرحلة التربوية جزء أصيل من بناء الوعي والمعرفة.

وفي هذا السياق، تصدر الجمعيات الوطنية في أوروبا نشرات تعريفية موجهة للمدارس تُبرز التسهيلات المتاحة للمجموعات التعليمية، بينما تُصدر جمعية بيوت الشباب الألمانية سلسلة من الكتب الجذابة للأطفال، تُنمّي لديهم حب الطبيعة وروح التعاون والانتماء.

ويمثل المعلمون في تلك الدول الجبهة الأمامية للحركة، فهم قادة الفكر والتربية الذين ينقلون رسالتها إلى الأجيال الجديدة، ويعملون على غرس قيم المشاركة والمسؤولية في نفوس الطلاب.

وبالنسبة للأطفال، تُعد الرحلة إلى بيت الشباب تجربة حياتية فريدة — فهي ربما المرة الأولى التي يغادرون فيها منازلهم دون والديهم، أو يرون فيها الريف والجبل والطبيعة عن قرب، لا من نافذة الحافلة بل من قلب التجربة نفسها.

وفي هذه البيئة التربوية الآمنة، يتعلم الأطفال كيف يعتمدون على أنفسهم، وكيف يُعدّون فراشهم وينظّمون حاجاتهم الشخصية ويشاركون في إعداد الطعام وترتيب غرفهم.

كما تُنظَّم لهم أنشطة علمية وثقافية ورياضية تحت إشراف معلميهم، ليكتسبوا من خلالها مهارات التعاون والانضباط واحترام الوقت والعمل الجماعي — قيمٌ أساسية لبناء الشخصية المتكاملة.

وفي بعض الدول، يحصل معلم المدرسة قبل تنظيم الرحلة على بطاقة قائد معتمد من جمعية بيوت الشباب، ويُمنح تسهيلات للإقامة والأنشطة الجماعية للمدارس، وخاصة في الفترات الدراسية التي تسبق العطلات الرسمية.
أما بيوت الشباب نفسها، فهي مجهزة تجهيزًا متكاملًا لاستقبال المجموعات المدرسية لفترات طويلة، وتُعرف في ألمانيا باسم «المنزل الريفي المدرسي»، حيث تتوافر قاعات دراسية مجهزة، وأماكن للأنشطة العملية والميدانية، في بيئة تُحفّز التعلم وتغرس الانتماء للطبيعة والمجتمع.

ولا يقتصر هذا الدور على الريف فقط، بل تمتد بيوت الشباب إلى المدن الرئيسية والمناطق التاريخية والثقافية، لتكون مراكز للتعلم الميداني وفرصًا لتجديد روح المعرفة بين طلاب المدارس.

وفي بعض الدول، توفر الجمعيات أيضًا مرشدين تربويين متطوعين لمرافقة المجموعات الزائرة، بما يعزز الجانب التوعوي والتثقيفي لتلك الرحلات.

إن فلسفة بيوت الشباب تؤكد أن بناء الإنسان يبدأ من المدرسة، وأن الرحلات التربوية جزء من منظومة القيم والتعليم، وليست ترفًا أو نشاطًا جانبيًا.
ومن هنا يمكن القول إن بيوت الشباب تمثل جسرًا عالميًا بين التعليم والتجربة، وبين الوطن والعالم، وهي أداة فعالة لترسيخ مفاهيم المسؤولية والانتماء والتفاهم الإنساني في نفوس الأطفال منذ الصغر.

وفي ختام حديثه، قال اللواء أحمد مكاوي جملة تلخص الحلم كله:

هل يمكن أن نحلم بأن يصل هذا الجانب من فلسفة بيوت الشباب إلى كل طفل وشاب في مصر والوطن العربي؟

إنها دعوة تحمل الأمل أكثر مما تحمل السؤال، فالمستقبل مفتوح أمامنا جميعًا — دولةً ومؤسساتٍ وشبابًا وصُنّاع سياحة وتعليم — لنُعيد اكتشاف هذا الكنز العالمي الذي يجمع بين الثقافة والسياحة والتربية في منظومة واحدة تُعلي من قيمة الإنسان وتفتح له آفاق العالم.
وللحديث بقية،،،

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية